؛
أظنّ أنّ فكرة الكتابة لك تروقني أكثر، تمنّيت لو أنني اتخذتها وسيلةً منذ البداية ووفّرت عنك عناء الكثير من الأحاديث المطوّلة، والتذمّر المرهق أو سؤالك أن تدعو لي ببساطة، ربما لأنني أتصرف بناءً على قناعتي بأن الثقة لا تمارسُ بل تبقى طبيعةً غالبةً ليس من المهمّ أن نشير لها في الكلام أو التصرفات طالما أننا نتصرّف بناءً عليها.
ربما لهذا السبب أيضًا لم أكن أخبرك عن تفاصيل وأحداث كثيرة في العام الماضي، وتفاصيل وأحداث كثيرة طوال هذه الأشهر أيضًا، وجدتني كما أنا دومًا لم أتغير باختلاف الظرف والوضع القائم، أظنّ أنّني سأترك هذا الشيء محض أمرٍ مؤجّل من دون أن أرهق نفسي في التكلّف أو ادعاء تصرّفات لاتشبهني بعد،
وجدتني دومًا أحرص فقط أن أعيش اللحظة معك، هكذا باختصار شديد، المهم أننا معًا، لاتهمّ تلك التفاصيل والأحداث السلبية المرهقة طالما أنّ هناك في النهاية مقعدًا واحدًا نتكئُ عليه في نهاية اليوم منهكين أو ساخرين، ننظر للبعيد بصمت ونقرر ببساطة أن ننال من العالم أو نلعنهُ معًا، خلال ذلك قد تمرّ في الحديث قصّة أو فكرة عابرة، لايهمّ الوقوف عندها كثيرًا، قد تكون محض مثال أو دليل أو قصّة أستشهد بها أو موقفًا لم يتسنّى لأحدنا إكمالهُ لأنّ هناك شيئًا أكثر أهميّة وأدعى للتفكير أو الوقوف طويلًا طويلًا في عين الآخر، كان هذا أكثر وأحبّ ماتعلمته منك، اللحظة التي يكون جزء كبير من تفكيرك غائب تمامًا عن تفاصيل الكلام وسيل المفردات الذي ينساب أثناء ثرثرتي، تبدو منصتًا بعمق واهتمام لكنّك تكون في الحقيقة في مكان أبعد بكثير، وفي لحظة تصنع دهشةً حقيقيّة كما لو كانت أوّل دهشة أشعر بها أمامك.. كنت أعرف دومًا أنّك لا تحبّ أن تشعرني بذلك لكنّك كنت تفهمني أكثر من نفسي، لهذا لم أكن أجد أيّ حذر في الحديث بأيّ طريقة أو في أيّ موضوع معك، كنت تدهشني حين تكمل الحديث عنّي، أو تبتسمُ بحنان ساخر من سخافتي حين أتلعثمُ في سرد حكاية أو موقف يضايقني وأتجنّب ذكر اسم الشخص الذي أزعجني فيه، فتذكره بنفسك وكأنك كنت معي دومًا، تقف بعيدًا كي لا تشعرني بأنّك تقيّد حريّتي لكنّك تعرف كيف ترعاني وتحرسني جيّدًا، تنتظر بهدوء أن ينتهي أي موقف أو عمل كان، وتكون واثقًا من أنني سأدير ظهري لكلّ مايزعجني وأركضُ نحوك.. أفتعل ضجيجًا أو أطرح فكرةً أو أنصت لك ببساطة أو أجرّب حظّي في محاولة هزلية أسخر منها أمام نفسي لأن أكون محض أنثى تجيد مايسمّونه كيدًا أو خبثًا،
حسنًا كانت هذه أكثر مسألة شائكة بداخلي على الدوام حدّ أن الموضوع برمّته كان يثير سخطي، من الصعب أن تصدقني لكنني سأتحدث عن نفسي فحسب ولك ماشئت، في الحقيقة .. لطالما تمنّيت أن أتعلّم فنّ الكيد أو الخبث هذا، حتى أنني كنت ومازلت حتى اليوم في مواقف كثيرةً أجد نفسي أسأل صديقةً أو جارةً وحتى أختي الصغرى وبمنتهى الصدق كيف أستطيع أن أتعلم ذلك وأتقنه من دون أن يبدو ذلك أمرًا مصطنعًا؟ لطالما كان هذا السؤال سببًا متكررًا في مختلف الظروف والجلسات لإثارة فرقعة عالية من الضحك.. تستطيع أن تشارك الجميع شرف السخرية أنت أيضًا، المسألة ليست في صعوبة اكتساب خصلة أو تعلم طريقة ما للتعامل بغضّ النظر إن كانت سيئةً أو جيّدة، المسألة فقط في أنّني أشعر بأنني سأحتاج لوقت طويل كي أفهم السبب أو الفكرة الرئيسيّة التي قد تدفع أي شخص من أيّ جنس لأن يلتفّ حولها بطريقة أفعوانية تبقى في نظري رخيصة حتى اليوم، من ناحية أخرى، كنت مكتفيةً بشعوري بالرّضى التام معك حتى حين تستفزّني بالحديث عن الكيد لتثير دنوني لا أكثر فتلصقه بكلمة أو حركة ما، لكنّك كنت دائمًا ماتبتسمُ بنفس الحنان أمام سيل الكلمات العشوائية حين أنتفض كطفلة ساخطة وأتحول لظاهرة حركية تتقافزُ على الأريكة في محاولة بائسة لأن تشرح لك أنها لاتملك هذه الخصلة أبدًا، تملأ حديثها بقصص تحسبها دليلًا يثبت براءتها لكنّها تكون وبكل بساطة لاتبدو أكثر من كائن مثير للسخرية والشفقة. لم تكن تظهر أنّك تعرفني جيّدًا بوضوح لكنّك دائمًا ماتتعامل على هذا الأساس، وأشهد أنّ هذا أكثر ماكان يشعرني بالسلام في داخلي مهما بدوت أمامك عكس ذلك، لاتتعمّد أن تشير إلى الفكرة العامّة لكنّ حدثًا أو قصّة أو ملاحظةً ما كفيلة بأن تجعلني أفهم جيّدًا أنّك تعرفني أكثر مما تظهر لي.. ولهذا لم أشعر يومًا بالخوف بل بمنتهى الأمان أمام صمتك، أذكر مثلًا حين كنت أخبرك عن استغرابي من أحاديث الفتيات في الجلسات النسائية، عن أسئلتهنّ السخيفة ونصائحهنّ الغريبة وتفكيرهم الذي كثيرًا مايبدو لي رخيصًا، مبتذلًا .. ومدعاةً للهرب بصدق في أحيان أكثر.. لطالما هربت إليك مذعورةً من حديث أو نصيحة جريئة، مازلت ألمسُه كاملًا ذلك الدفء الحقيقيّ الذي شعرتُ به حين التفتّ يومها نحوي مذهولًا بصورة واضحة لكنّها لم تكن كافيةً أبدًا لأن تخفي غضبًا كنت تحاول أن تتحكّم به لأنك كنت دومًا مطمئنًا لفكرة أنني أخبرك بكل ما أسمعه على كل حال، كان تعليقًا ساخرًا، وأمرًا قاطعًا لاجدال فيه لكنّه كان أكثر من الكفاية عندي لأن أطمئنّ وأبتسم بحبور للأبد (انت تجلسي مع ناس غريبة! ياخي النساء والله العظيم غريبات! كم مرّة أقول لك لاتجلسي مع ناس غريبة من ورايا، مو مهم ياخوي المهم إحرصي تظلي بعيدة عن هاذي الأفكار ياحبيبي ماتحتاجيها أبدًا! عيييب عييب كم مرة أقول لك إنت كدا كويسة جدًا لا أحد يلعب لي فيكي مفهوم؟)
كانت آخر جملة سببًا متاحًا لأفتعل غضبًا أو شجارًا مزيفًا يومها وأنا أنتهز الفرصة لأخبرك أنني أبقى أنتظرك أنت فقط ولاأهتم لأي وقت قد يمرّ وأنت مشغول حتى نلتقي لكنّك تضعني في حالة ارتباك حقيقيّة حين تتحدثُ بحياديّة تامّة وكأنّك شخص آخر، تبدو مهمومًا من دون أن أفهم مايزعجك.. كل ماتجدهُ لديك هو أنك تخاف من الاقتراب منّي أكثر!! كانت هذه أكثر فكرة تدفعني لساعات طويلة من البكاء بعد كلّ لقاء يجمعنا في أي مكان ولأيّ مدّة كانت! لم أستطع أن أفهم السبب يومًا رغم أنك كنت تكرره على الدوام بعدة صيغ، (لا أستطيع أن أجرحك، أخاف أن أمسّك أحيانًا، أنت بريئة جدًا، لايمكنك أن تري نفسك مثلما تبدين للآخرين صورة أبيض بكثير مما تحاولين إخفاءه) .. كنت تخفّف ثقل الكلام عليّ وتزيح عن كاهلي كثيرًا من حيرتي بمجرّد أن ترفع حاجبك ساخرًا كتتمّة للجملة لتترك طابعًا أو نكهةً طريفة للحوار فقط، دائمًا ماكنت أخبرك بأنك تمثّل ماهو أكثر من المأوى والكفاية والدهشة التي لاتنتهي والغبطة الحقيقية عندي بتفاصيل بسيطة كهذه، لست حريصًا على إضفاءها أبدًا لكنّك تخصص لها أيضًا متسعًا رحبًا من تفكيرك واهتمامك، تبقى حنونًا حتى في أشدّ لحظاتك غضبًا وسخطًا من أي أمر كان، لطالما أسرني هدوءك وصرامتك، لست صلبًا أبدًا لكنّك صارم وثابت فعلًا، غير أنه من المستحيل أن يتجاوزك أو يمرّ بك أيّ أحد من دون أن يبتسم لك حتى وإن لم يكن يعرفك.
يحضرني كثيرًا طيف أبي حين أتحدث معك وعنك، يدهشني تشابه كبير بينكما لدرجة لمستها بنفسك من حديثي، لكنه لم يكُن يومًا السبب الذي جعلني أتعلّق بك، لقد كان دومًا أكثر الأسباب التي تجعلني أشكرُ الله وأحبّه بقدر لايمكن أن تتخيّله إلا لو عرفت مايعني فعلًا وبمعنى الكلمة أن تحصُل تمامًا على شيءٍ أردته بعينه، مابالك لو كانت أمنيةً لم يطّلع عليها أحد سوى الله!
أعرفُ أنني أملك شخصيّة عاطفيّة أكثر من كونها حسّاسة، ولهذا كنت أعرف نفسي أكثر من غيري حدّ أنني لم أكترث يومًا لمن يسيء فهم تصرفاتي و ردود أفعالي ممّن لايفعل، أعرفُ دائمًا كيف أتصرّف باتزان وحسم، لهذا كنت أعرف كيف أضع حدّا واضحًا في علاقاتي، ستفهمني أكثر حين أقول لك بأنّك تعيش فكرةً مماثلةً الآن، أعني.. مسألة أن أضع نفسي في حالة حياديّة لادفاعيّة معك احترامًا لقناعاتك وليس تصرّفاتك.. أمرٌ بديهيّ جدّا.. فكرة أنّنا نبقى دومًا بشرًا قبل أيّ شيء تشكّل عندي نقطةً فارقة على الدوام في معادلات علاقاتي أدعوها بـ (النّقطة صفر) لأنها تبقى دومًا في نظري نقطة ارتكاز، تشبهُ مساحةً لايهمّ كم يبلغ اتساعُها لكنّها المساحة التي نقف عندها متجرّدين تمامًا من كلّ أسبابنا ومبرراتنا وادعاءاتنا ومخاوفنا، مساحة نقف فيها على الفطرة عُراةً من كل أحمالنا وظلال أعمار تبقى تتراكم على أكتافنا زمنًا تلو آخر، عُراة من كلّ شيء.. كصفحة بيضاء أو ببساطة .. محض بشر على الملّة الأولى، الأمر الذي يستطيع دائمًا أن يغيّر موازين المعادلة عندي بالطبع أو أن يحظى بانحياز كبير مني على أقلّ تقدير، لكن عليك أن تقف هنا قليلًا لتلتقط أنفاسك، لعبة الجَبر كانت أكثر ماوضعني في مواجهة حقيقيّة مرهقة مع نفسي.. لأنّها دائمًا ماتكون مرتبطةً بخطوط متوازية ولايهمّ إن كانت متساوية أبدًا.. تجد نفسك معها في مواجهة شرسة مع نفسك، لاأميل لتسميتها تحديًا لأنّك تبقى رابحًا في النهاية على عدّة أصعدة .. لكنّ الفكرة فيها تكون قائمةً على ضبط النّفس، عليك أن تعرف كيف تناورُ نقاط الضعف في شخصيّتك بحدس قويّ ومرن مما سيجعلك قادرًا على النّظر إلى المعطيات بوضوح وإدراك أكثر، قد تضحك الآن وقد تراها محض ثرثرة أو فلسفة لاحاجة لها ..
لاأعرف، ربما اكتسبت عاطفة خاصّة تجاه الأرقام والرياضيات كوني تربيت في بيت كانت المسائل الحسابية فيه قاسمًا مشتركًا ذو سيادة حقيقيّة، أمر جعلنا دومًا ومن دون أن نشعر نضع لها اعتبارًا أكبر، كثيرون ممّن حولي يعتقدون أن انحيازي للحساب متعلّق بمهنة أمّي أو من جانب عاطفي، لكنّ الأمر عائد في الحقيقة لصورة أوسع .. بالمناسبة أنت الآن تسير في معادلة حسابية قائمة على قانون النّقطة صفر (أردت أن أضع لمسةً من الإثارة قليلًا.. تبدو لعبة الأرقام أمرًا مملّا يجعل كثيرين يتجنبون الحديث أو القراءة فيها، ربما لأنّ قلّة من سلّطوا الضوء أو التفتوا لعنصر الإثارة المتجدد فيها) .. سأبسّط لك الأمر قبل أن تطوي الرسالة بعناية وتضعها جانبًا، تمامًا كما فعلت حين أغلقت عدسة التصوير، وعلّقت الكاميرا على صدرك، وشكرت زميلًا عابرًا في دورة تصوير فوتوغرافي، ستظنّني أسخر منك أو أشير لصفة ما في شخصيتك، على العكس تمامًا، وددت لو أنّني كنت معك في تلك الدورة لأضمن لك يومًا تدريبيّا ممتعًا بقدر استطاعتي، عنّي مازلتُ لم أتجاوز نقاطًا أبعد ممّا علمتني إيّاه من أساسيات يجب أن ألتفت لها في فنّ التصوير، لهذا لن أكون مدرّبةً، ولا زميلة بالطّبع لأنني سأكون عبئًا ثقيلًا كزميلة دراسة في مجال لا أعرف إلا أقلّ القليل من كلّ ماتتقنه فيه لذا سأبدو بلا شكّ أشبه بنقطة توقّف متكررة سترهقك أكثر مما تساعدك، لكنّني أظنّني أستطيع أن أكون (آلاءً) جيّدة، بغضّ النظر عمّا أمثّله، أعني أنّني كنت أستطيع يومها أن أكون الشخص الذي يمكنهُ أن يفتعل ضجّة في المكان أو أيّ شيء يمكن أن يلفت انتباه زميلك ذاك.. فقط لأخبره بهدوء وحيادية تامّة أن يكون حريصًا في نقل المعلومة لك بشكل دقيق وإن كان مختصرًا، المهمّ أن لايتصرّف باحترافيّة، أو يخفّف من أهميّتها وأثرها في التقاط المشهد، فيتحرّك بمرونة وبساطةٍ شديدة.. لاتوجد أيّ نوايا سيئة هنا أبدًا بل على العكس تمامًا، محضُ زميل متمرّس، لكنّ إعجابه وانحيازهُ لتطوّر التقنية المتجدد وتعدد توفّرها بطرق يسهل الوصول لترتيبها وإعدادها كان سيّد الحدث. أمرٌ وضعك بشكل بديهيّ بعد وقت طويل من المحاولات في لحظة ذهول مفاجئة.. كانت آخر مايمكنُ أن يحتملهُ غيظُك أكثر من هذا، بدا الأمرُ وكأنّ شيطانًا ماكرًا ظهر أمامك مادّا لسانهُ بطريقة مستفزّة ليخبرك ببساطة (ألا تعرف حقّا؟)، البساطة لا تستفزّك لأنّك أنت نفسك إنسان شديد البراءة والبساطة، لكنكّ الدقّة وشدّة الحذر فيك أمر يبقى من أجمل ما لايمكنك إخفاؤه مهما حاولت ذلك، بالمناسبة .. قد يبدو رأيي ساذجًا ولكنني لطالما اعتبرت هذه الصفة هي النقطة صفر عندك، الأمر الذي وضعك في تلك اللحظة في حالة غيظ شديد من أنّك تعرف حركةً شديدة البساطة والوضوح ولكنّك لم تنتبه أنّك تستطيع استخدامها منذ البداية لتروّض محض آلة ماكرة بدل أن تصرف كلّ ذلك الوقت والجهد في محاولات غير مرضية أبدًا. النقطة صفر تلك عادةً ماتكون أكثر الأسباب التي تضعك في حالة أسميها مأزقًا صعبًا بالذات مع دائرتك الخاصّة من العلاقات، حالة (لاخلاص.. شكرًا)
ليس من الصعب أن يتفهّم أحد أن كلمةً أو حركةً واحدة أحيانًا تجعلك تكتفي في لحظة وتغادر المكان، إن كنت تحسبني أنتقدك مجددًا.. لطالما استحوذت شخصيتك على انتباهي فعلًا، لهذا كنت أقول لك دومًا بأنني لاأريد بل لا أقبل أن تتغيّر أيّ من صفاتك حتى ماتراه أسوأ مافيها، ربما يكون الأمر قائمًا على العاطفة نفسها لكنّ كل شيء فيك يبدو مرتّبًا بطريقة مثيرة للإعجاب والاحترام، لذا ستجدني في حالة كتلك أتبعك بصمت وأضعُ وجهًا باردًا بلا ملامح، أو مستغربًا بعض الشيء من دون أن أبدي تعليقًا على قصة يومك المستفزّة، بعض القهوة وأيّ شيء معها من دون أن أسأل.. سيكون تعبيرًا واضحًا عن أنّك بلا شكّ تستطيع أن تستغرق في كتابك أكثر.. ستكون ورطتي الوحيدة متمثّلة فقط في الموسيقى، ارتفاع الصوت وانخفاضه أمر نسبيّ ومتغيّر ولم يكن نقطة خلاف.. لكنّه عامل شديد الحساسية هنا لأنك لست منزعجًا على الإطلاق ولم يستفزّك شيء أبدًا، ولست غاضبًا لهذا الحدّ من الحرص! تريد مساحتك الحرّة من الهدوء لتركز فقط .. لكن من قال أن عليكِ أن تجلسي بعيدًا ليكون المكان هادئًا كما لو كنتِ طفلةً .. يمكنك ترتيب ذلك من دون جلبة !
لأتجنّب ذلك أظنّ أن عليّ أن أوسّع خياراتي الموسيقية وأضع اهتمامًا أكبر لقائمة الطواريء أو الخطّة (ب).. سيكون اختيار مقطوعة هادئة وطويلة بما يكفي أمر يدفعني لأخفّض الصوت وأزفر بارتياح.. لكن عليّ الآن أن أتحجج بما نسيته في مكان ما لأفرغ كلّ الضحك الذي في داخلي .. حتى يكون الوقت ملائما لأن ألتقط كتابي وأعود بهدوء شديد وأجلس على الأريكة وأسترسل في القراءة.. تستطيع عندها أن تدبّر أمرك بمفردك أو تطلب لو أردت شيئًا، لكنني لن أفكّر في أن أشير لذلك.. لأنني سأكون قد انخرطت فعلا في صفحات الكتاب حتى حين.
في لحظات كهذه يحكمني شعور بأن كل هذا الكلام وغيره يبدو سخيفًا بما يكفي حدّ أن أغير رأيي ولا أرسله..
وهذا مايجعلني أصمت أكثر،
أحاول التخلّص من سلبيّات كثيرة وأفكار سلبية حولي، وأنسى أو أتناسى تجارب سلبية أخرى..
ربما أكثر فكرة تسيطر عليّ هذه الأيام هو أنني لن أفكر في الخوف من الفقد أو غيره، ربما لهذا كنت مصرّة أن أذكرك دومًا أنني أكره أن يعاملني أحد كما لو كان أبي مهما كان صادقا وحريصًا فعلًا لأنني أملكُ واحدًا.. لكنّ هذا لايعني أيضًا أنني لاألجأ إليه أو لا أخضع لسلطته وإلا لما خرجت باختيار وقناعة من غلبة أبي على قراراتي منذ وقت طويل وتمنّيت أن أتشاركها يومًا مع رجل يشبهه لحدّ أو فكرة معينة .. لم تتعمّد أن تكونها يومًا لكنّك كنت صورةً فريدةً تشبهك وحدك .. أكثر وضوحًا وإتقانًا لدرجة كانت تجعلني في كلّ مرّة وعند أبسط المواقف والتفاصيل ألتفت على السماء واتساءل (أنت جاد؟؟ ألا أحلم؟) ..
لم أكن أحاول تمثيل دور ما هنا، كل مافي الأمر أنني أردت أخبرك أنه ربما كان عليك أن تنتبه فقط أن من يهتم لأمرك أو يتقبل تصرفاتك وأطول أيام صمتك لايمكنه إلا أن يشعر بذهول وحزن حقيقيّ حين تسأله إلى متى سيبقى هنا؟ أم إلى متى سيطول به الحال هكذا؟
مابالك حين يكون السؤال مفاجئًا بعد مسيرة أشهر كتلك التي مرّت ..
تمنيت للحظة لو أنك استطعت أن تتعرّف على أبي يومًا.. أو أختي الصغرى، أكثر اثنين في البيت يمكنهما أن يختصرا لك من هي أنا بأبسط الطرق الممكنة، لايشكّل أبي عادةً خصمًا لمن يفهمه، لكنّه يتجاوز الجميع في لحظة معتمدًا على سلطته فقط.. أقول هذا لأنني أعرف جيّدًا أي ثورة تثورها أمّي عندما يوشكُ الجدال أن يصل بيننا لنقطة مواجهة من شأنها أن تحدث التماسًا كهربائيًا في المنزل.. لكنّ نظرةً واحدة من أبي .. عادةً ماتكون غمزةً لا أكثر تكون كافية لأن يتعطّل الكلام تمامًا وأبتلع الصمت.. عندها لن تفوّت أمّي الفرصة من استنكار غلبته التي تحسبُ أنها لاتملكها عليّ ..
موقف أبي هذا .. يجعلني أذكر مثالًا يؤكد فعلًا أنك تبقى فكرةً وصورةً أكثر خصوصيةً وغلبةً في كلّ مرّة تماما مثلما كان يحدث حتى وإن وصلنا لأصعب المواقف، تبدو كما لو أنّك تستخدم قانون الطوارئ.. ولكنّه الفكرة السائدة دومًا.. فتقول بهدوء وبمنتهى الاتزان .. كما أنت تماما.. إن كان يمكن ولو لأي سبب أو بلا أي سبب فقط ندع الجدال ونضع كلّ شيء خلفنا الآن تمامًا؟ .. كان هذا أكثر موقف يجعلني أقف وماأزال أمامك بإجلال فعلًا..
الفكرة ليست في أن تنهي استياءً أو حتى تتصرّف بسلطة.. أبدًأ.. ولا في كل مالديّ من ذخيرة للتذمّر.. الفكرة في تلك الثقة المطمئنة.. شخص يعرف من هو تمامًا ليتجه بثبات نحو آخر ويتحدث بهذا الهدوء الذي لايمكن له أن يردّ أو يغلب، كان هذا دومًا مايجعلني في نفس اللحظة أفرغ تمامًا من كل ماكان لديّ من كلام حدّ أنني كثيرًا ماشعرت بأنني نسيت ماكنت أودّ قوله، ونسيت أي شيء دفعني لأن أستاء أصلًا.. لأصل في النهاية لإحساس بالأسف منك.. شيء أراك دومًا تستحقّه.. لايهمّ عدد المرات التي غلب صمتك فيها على الموقف كردّ ما، يبقى لثقل تلك اللحظة وقع واعتبار أكبر، لحظة من دون تفكير مسبق مضيت فيها بثبات مطمئنًا لقدرك ومكانتك فقط لتضع يدك على كتف شخص خائف من أن لايكون ذا قيمة تخصّه عندك وكأنّك تضعُ يدك على قلبه لتذكّره باسمه.. لحظة لايعود فيها أيّ أهمية لشيء.. كأنّ الكون فرغ من كلّ شيء سوى شعور عارم بالرضى ملأ شخصين في لحظة مدهشة.
ربما لهذا السبب أحدثك عنك أكثر منّي، لأنني وقفت مع نفسي في لحظة صعبة فعلًا ولكنني وجدت نفسي في حضرة عامل أشدّ ثقلًا وأثرا من النقطة صفر نفسها..
لهذا أبقى أنا كما أنا معك أنت، أبدو هادئةً لا يظهر على ملامحي شيء، أتصرف بحياديّة حاسمة فقط احترامًا لرأيك وألتزم صمتًا من نوع خاصّ لا أكثر، قد أتحدث بشكل طبيعيّ أمام الجميع، وليس من الوارد عندي أبدًأ أن أخبر أحدًا عن مشاكلي الخاصة .. أكون على طبيعتي تمامًا.. لكنّك ستجد أبي تدخّل ساخرًا، لا لأنه يفهمني وبالتأكيد سيكون منحازًا لكونك الرّجل كما يفعل مع اخوتي.. لكنّه يتدخل عندها لينقذك أنت ويلفت انتباهي لاقتراب لحظة خطر يتغير فيها جانب كبير في داخلي تمامًا من دون أن أظهر ذلك، تغيّر يضع من حولي في لحظة يأس حقيقيّة. يعني أستطيع أن أقول بأن مايستفزّني منه معرفته بي التي تجعله يفرضُ سلطته ليوقفني فجأةً، أعرف أن شهادته على عمر طويل ومواقف عديدة جعلته يكتسب مرونة وثقة على التدخل حتى وإن شعرت بأنني لاأستطيع أن أكون أنا أكثر من ذلك، كان هذا ومازال أمرًا يثير جنوني في أحيان كثيرة بالطبع، ولكني أظنّ بأنني بلغت شيئًا أو مستوىً لابأس به من الوعي يجعلني أفهم أنه يريد أن يحميني من نفسي ويحافظ لي على من يعرف أهميتهم عندي بأفضل مما كنت سأفعل.
أما مع أختي الصغرى فالأمر مختلف تماما.. لأنها تكون في موقف أصعب من أي شخص في البيت يقف معي في لحظة كهذه، ستحاول بجهد كبير أن تؤمن لنفسها وصولًا سريعًا من دون أن تثير أي ارتياب أو تتسبّب لنفسها بعقوبة مرعبة، تتصرف باستغراب منطقيّ، لم تكن يومًا شخصًا عاديًا عندي، تعرفُ دومًا كيف تكون مبادرةً بطريقة لاتتجاوز عمرها ولاشقاوتها اللذيذة.. بل تستخدمها لتنقذ أشخاصًا من المفترض أنهم أكبر منها وأكثر نضجًا لتنصرف بعدها وتنشغل في التفكير فيما يدفع من هم أكثر نضجًا لأن يتصرفو بطرق مستفزّة تشحن الجوّ بالتوتر وكأنهم محض أطفال، تضحكني عندما تتحدث عن شخص آخر، تستطيع أن تكون هي كما تشاء شرط أن لاتتخذ معرفتها بي سلاحًا أو وسيلةً تساعد بها غيرها لينقذ نفسه من ورطة حقيقيّة في الوقت الذي لاتتمكن فيه من إنقاذ نفسها حين يتعلّق الأمر بها، ستجدها الشخص الذي يحاول أن يجد وقتًا مناسبًا ليندسّ سريعًا ويتحدث بصبر نافذ تمامًا بطريقة مدهشة حقًا (أهاه، تستطيع أن لاتصدقها على كلّ حال، عليك أن تتسلّل من ناحية أخرى أو أن تهنأ بلا مبالاتك أو إشرافك على المشهد وتتظاهر براحة مصطنعة وكأنك لاتعرف أنها أجل فعلًا أكثر فأكثر لاتكون بخير من الداخل.. أنتم الكبار شيء مستفزّ بالمناسبة تتظاهرون بمعرفة كلّ شيء بينما لاتستحقون أن تتحكموا بأي شيء لأنكم لاتقودون العالم لشيء سوى توتر مقزز كهذا، على كلّ لاتتصرف كشخص كبير اذا احتجت المساعدة جميعنا نحتاجها بالمناسبة.. هففف)
وصلني هذا الكلام عنها بالنّص ذات يوم بعد خصومة طويلة وقعت بيني وبين أحد إخوتي.. الشخص الوحيد الذي لم يتوقع أحد أن أمتنع عن الكلام معه يومًا.. لكنها كانت 4 أشهر لايمكن لأحد أن ينسى وقعها على الجميع.. خاصةً وأن كلّ شخص منّا عنيد جدًا بطريقته الخاصة،