بُعد بصريّ

 

؛

عزيزي القارئ اسمح لي أقدّم لك نفسي، اسمي ليس مهمّا هنا لأنّك ستجده في نهاية النّص على كلّ الأحول، شخصيّتي تخصّني في المقام الأول بعد من أحبّهم، دعك من الشكليّات ولفائف رثّة من هويات زائفة رفلنا فيها عمرًا طويلًا، أنا مثلك تمامًا، مجرّد إنسانة تنظر معك نحو المشهد ذاته، قد تحسبني محض شخص يريد أن يثرثر فقط ريثما تنتهي هذه الفواصل المرهقة من الحراكات وظروف تتكرر بعدة أوجه وُزّعت بمنتهى الدّقة على العديد من الأقطار العربية، أعترف بأنني ثرثارة لحدّ يثير الجلبة في حياتي الخاصّة لكنني لم ألتفت نحوكَ لأثير أيّ جلبة وبالتأكيد لستُ الشّخص الذي يحاول أن يمدّ يدهُ هنا ليغيّر المحطّة أو يتلاعب في زاوية المشهد، لن تتغير الصورة على كل الأحوال، كلّ مافي الأمر أنني أردت أن ألفت انتباهكَ لشُعلة كانت تقف معنا في نفس المشهد، تجمع الصمت ذاته .. لا لتبتلعه بل لتصنع منه فتيلًا يستطيع أن يوقد ولو بصيصًا من الضوء من شأنه أن يفسح في العتمة متسعًا كافيًا لأملٍ من نوعٍ آخر.

سنوات طويلة ونحن نتعامل مع حماقة مترفة، نتنقّل بحذر في شوارع وطرق تعبق بالدماء، والصمت والخوف والكثير من يأس معلّب، علّمتنا شاشات العرض كيف نجلس بهدوء وتربّص لنتابع عجزنا بحزنٍ بليد، نبكي لموتنا، نصرخ بحرقةٍ أحيانًا وننادي على بعضنا من دون أن نذكر أنفسنا، ونحمل رفات أحلامنا وهنًا على وهنٍ ونمضي لأيامٍ أُخر في جنازةٍ لاتنتهي من التسليم وليس الاستسلام.

نعرّج على دراويش الليل أحيانًا، ندير مشاعرنا بمرونة لنختار من ألوان الكوميديا لونًا يتماشى مع مزاجنا الحاليّ ونشاركه موجات مرهقة من ضحك غارق في الدموع أو نبتسم لقدرته على السخرية منّا أفضل مما كنّا سنفعل.

نركض بلاتوقّف في دواليب الحياة هربًا من واقع لانريد أن نعترف بأننا جزء لايتجزّأ منه، خوف، هرب، يأس، وعجز واستسلام زائف خلق الكثير من الأفكار التي جرّت علينا تطرّفات، وانقسامات، وجزع، ونفور أعند من أن يضع غضبًا أو ينحاز لجمع أو يقف لصراخ ينطق بغير الحديد والدّم وبارود مسموم بالجهل.

سأبسّط لك الأمر إن أردت ذلك، في رأيي أظنّ أن تلك المناوشات المستمرة على أجهزة التحكم في المنازل كانت أول بادرة – أو بذرة – لهذا التخبّط المتشدد في أميّته، نفور تلو آخر، ورفض بعضه فوق بعض بقي رابضًا، يتراكم في زوايا أيامنا، يملأ خطوط أكفّنا ويترك في برد أصابعنا رجفة دفعتنا لأن ننزوي خلف الأبواب وننغلق على ضعفنا بلا اكتراث لفوّهة غائرة في الجاهلية ستبقى تتسع وتمتد نحونا حتى تبتلعنا في لحظة واحدة.

قد تحسب أنني أتحامل عليك، وقد تكون متفقًا معي في كل ماقلته، ناهيك عن حقيقة أننا كشعوب أو أفراد صرنا نحاول قدر استطاعتنا أن نصرف أذهاننا ووجوهنا عن كل ما فقدنا فيه السبيل والحيلة، لذا سأختصر عليك المسافة الفاصلة بين ماتراه مستحيلًا وما يحسبه الكثيرون وهمًا أو محض سخافة لن تغيّر من الواقع شيئًا، بعلامة فارقة، كان قول الله واضحًا وصريحًا حين فرّق بين القاعدين غير أولي الضرر والمجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيله، لن أتطرّق كثيرًا في فلسفة التغيير والاختلاف، لكن ربّما أطرق جدار الخزّان قليلًا لأعيد لذاكرة وعيك ووعي القرّاء مفهومًا فُقد وتمّ تشويهه في ظروف غامضة أدارتها لعنة سُمّيت بـ (الفوضى الخلّاقة) .. أجل، أنا أيضًا أبتسم معك الآن، ربما فرقتنا تلك الفوضى زمنًا طويلًا، وخلقت مسافات واسعة وفراغات معتمة صار من الصعب ملؤها أو اجتيازها من دون أن نوجد فيها حدثًا يعيد لمفاهيمنا ووعينا جزءًا كبيرًا من اتزانه، لكن يبقى دومًا من ينظر كما ننظر ويجمع من الصمت مانجمع ولكنّه يعي أنّ كلّا منا يحمل من المسؤولية ولو جزءًا بسيطًا موكل له دون غيره، ليهبه كامل استعداده وهمّته وحضوره، ويرفع رايته الخاصّة، ليخلق في المشهد حدثًا فارقًا ورقمًا صعبًا يثقل المعادلة لحدّ أن يكون من الصعب أن تنتهي إلى ماكانت ستنتهي إليه.

تأسست منذ طفولتي على يد علّامة في مادة الجبر والرياضيات (أمّي)، ولهذا يبقى عندي ارتباط وانحياز حقيقيّ تجاه الحسابات والمعادلات، وبحسب ماتقوله معلّمتي الأولى عن الرّقم (صفر)، أنّه الرقم الكارثة – كما تسمّيه – أو الرقم الذي لا يستهان به أبدًا إذا أنه يستطيع أن يغير المعادلة كاملة ويقلب طاولة الحساب في لحظة واحدة. ومن هناك من الرقم صفر تمامًا وببعد بصريّ نافذ وبصيرة واعية، لمعت في الفضاء الرقمي علامة فارقة، تحمل إرثًا وفكرًا وحضورًا وهمّة عالية لتخلق حدثًا ثقافيًا يعيد النبض لجثة فكرنا الواهنة وتثير في حقولنا الثقافية والفكرية طاقة كبيرة بطريقة عصرية ولكنّها تحمل من العراقة أسسًا ثابتة لابد وأن نقف عندها كلّما أردنا أن نستعيد من اتزاننا شيئًا أو نلتقط أنفاسنا قليلًا ونروي عطش أرواحنا لحكايات قديمة أو فواصل إعلانية بنظرة أخرى، وأمل أكثر بعدًا وحوارات، أفكار وآراء قد تكون فاصلة وفارقة تمامًا.

من هناك، وعن بعد بصريّ نافذ، أعلن الأستاذ عبدالله الدحيلان على متصفحه على تويتر عن برنامج فكري جديد بطريقة عصرية تزامن مع انطلاقة قناة ثقافية على اليوتيوب أسماها بـ (البعد البصري)، تاركًا الجميع في حالة ترقّب وذهول،

وبخطى واثقة في الفضاء الرقمي، غيّر المعادلة مجددًا ووضع أولى أساساته بحلقة تجريبية مختصرة عن برنامجه فكرًا ومحتوىً وثقلًا. (لبيروت) سلام من قلب فيروز، واسم لبرنامج إعلامي حريص ومحاور لايستهان به، عرف تمامًا كيف يخلق حدثًا ثقافيًا جديدًا ويملأ الكثير من فراغات الوعي بنظرة بعيدة وثابتة. جميعنا في انتظار للحلقة الأولى، وأظنّ أنّ إعلاميّا فذًا عرف كيف يسبق الأضواء ويقف بثبات في الفضاء الرقمي مستعدّ تمامًا ليجعل قواعد المعادلة في حالة ارتباك جديد.

About lalloshcoffee

، أنا الصّلة العميقة بين الظلام والصمت التي لم يفهمها أحد بعد، احتمالٌ يسع الجميع طبعًا ولن يجرح سوى نفسه.. نسيت أن أنسى، وأن أكبر متناقضة لدرجة أنني واضحة..! أحاول أن أكون نفسي .. ولا شيء أكثر .. نصيحة .. إذا أردت أن تكسبني .. لاتحاول أبدًا أن تفهمني و إياك أن تفسرني !

أضف تعليق