محض سلام

؛

مشكلتك أنّك لم تكُن أعند من أن تصدّق يومًا.. بل أعند من أن تنظُر فتجد في كلّ مرّة أن قلبك مازال محقًا.. لهذا عدت مجددًا لعادة سيئة تعاودُك كلّما أحسست بأنّك جُرحت أو جُررت لخدعة ما، عادة أن تمدّ يدًا محسنةً بمحض تساؤل أو نصيحة تحسبُ أن من حقّك أن تسديها، ولو من باب اللباقة أو الحرص لا أكثر، تقف بنُبل صارم لا يفاوضه خوف أو تردد، تقرّر فجأةً أنّ من واجبك أن تكون محايدًا، وتتحدّث بصيغة مموّهة كرجل كلاسيكيّ من الطراز الرفيع.

تنسى في كلّ مرّة أن أوّل ماعليك أن تضعه في حساباتك هو معرفة من تخاطبهم بك، وهذا مايوقعك دومًا في مأزق حقيقيّ، تنسى أن الطبيعة تبقى أقوى لذا ستبقى هي الغالبة دومًا، طوال الأعوام والأيام التي جمعتنا عشت مواقف كثيرةً أجاهد نفسي أن لا أمدّ يدي ببساطة وأضمّك بقوة فقط لأقول لك (حسنًا حسنًا .. توقّف عن الادّعاء، ليس هناك أيّ سبب لخوفك نحن هنا معًا وكلّ مايخيفك محضُ وهمٍ زائل) .. لكنّك تختار أن تحتفظ بمخاوفك وحيرتك لنفسك وكأنّك تقع فجأةً مع نفسك في لحظة لوم مانزل بها أيّ سلطان ولم تأت بها أيّ آية من ملل الخلق والأديان مذ صوّر الله من الطّين جسدًا ونفخ فيه من روحه فصار بشرًا، و بُعثَ نبيّا، ورسُولًا، وخليفةً، ومذنبًا، وتائهًا، وخائفًا، ومخطئًا، ومشتاقًا، وإنسانًا في كلّ مرّة ..

تلوم نفسك حين تجد نفسك ممسكًا بيد تشدّ على يدك وتحترم أسوار قلبك حدّ أن لا تكترث في كلّ مرة تتحسس طريقها بأيّ شيء قد ينالها وهي تتسلّق صمتًا طويلًا وعنادًا أشرس من أن يواجه بغير الحنان، تختار أن تنصرف لصمتك وتجرد نفسك في وحدتك، لكنّك في داخلك تكون مدركًا أن لست سوى ضحية وهم تختار بوسطيّة ورصانة أن تتكئ عليه قليلًا لتراجع حساباتك وتعيد ترتيب أوراقك، تضع لنفسك التفاتات منتظمة تنهرُ بها خوفك وتؤكد لنفسك بطريقة أو بأخرى أن كلّ شيء على مايرام.. تكره العشوائية بشكل عام، وبالطّبع لاتمقت شيئًا أكثر مما تمقت القيود، لم يكن عندي أي مشكلة مع كلّ هذا يومًا بل على العكس تمامًا، بدليل أنني مازلت أقطع المسافات نحوّك في كلّ مرّة وأمدّ أوراقًا ومسائل شائكة أو محض مخاوف زائفة أو محض شوق مغموس في ثرثرات وحيرة تستنزفُ صبري حقّا بينما أصرّ على أسناني غيظًا وأبقي يدي بجانبي مقبوضةً بجهد كبير في كلّ مرّة كي لا أسدد لك لكمةً من دون أن أكترث بما ستعوده عليّ من عقوبةٍ أو غضب أو دهشة حقيقيّة تعتريك فجأةً ولاتستطيع تزييفها أبدًا تدفعني دومًا لأن أجاهد أن لا أنفجر ضحكًا ببساطة لأنني أعرف جيّدا كم يغضبك أن أرى الطفل الذي بداخلك وأقدّسه في الوقت الذي تحسب أنّك أخفيته جيّدًا خلف قناع من المنطقية والصلابة.

كنتَ أعند من أن تنظر فقط طوال هذه الأيام والأشهر لا أكثر، كان يغيظك في كلّ مرّة أن تلتفت فتجد أن قلبك مايزال محقّا وكأن القدر لم يتصرّف في ذلك الأمر بعد، قليل الصّبر وأعند من أن تصدّق أن لقلبك كلّ هذه الغلبة فعلًا، الأنكى أنني شعرت للحظة وكأنك تريد منّي أن أثبت لك أنني سأملّ ذات يومٍ وأتراجع أو ألتفت غضبًا أو كرهًا! شعرت للحظة أنّك وضعتني في موضع رهان مع نفسك أنني لابدّ وأن أفعل ماقد تفعله أيّ أخرى ذات يوم، مع أنّك أكثر من أدرك بنفسه أنني لست سواي فقط،

كان مهينًا بالنسبة لي أن أجد نفسي مضطرة لأن أبرّر تمسّكي بشيء بريء لم أصدّق أنني وجدته في داخلي حتى اليوم، مضطرّة لأن أمدّ يدي في كلّ مرة خوفًا من أن تكون يدك تحاول أن تمتد باستغراب أو صمت لسماء مازالت تتسع بداخلي، تبتسم لها وينتشر الدفء في قلبك، تمسح بيدك على رأسي فيقشعر جنوني ويرتجف خجلي، تفهم هذا لكنك تتصرف فجأةً كما لوكنت لاتفهم كيف لي أن أجرؤ أن تكون كلّ لحظة معك ولأجلك وفي ظلّك حياةً وخلدًا أحفظه لي سرّا لم أدافع عنه ولم أكلّف نفسي عناء الحرص على حفظه لأنني تحديت الكون منذ البداية بغرور أنثوي لاأكثر أن يعلم أحد سرّ ثباتي وجنوني سواك. في لحظة واحدة جعلت نفسك مجرمًا تريد أن تحميني من شرّه، لكنّك كنت محض رجُل شهم بكلّ بساطة .. شيءٌ ما مُسّ في غروره.. لذا لم يكن منك سوى أنّك وبمنتهى النّبل حسمت أمرك وانحنيت باحترام لمشهد أخير والتفت بصمت.. من دون أن تخطو أي خطوةٍ أبعد !

حتى أنا لا أصدّق أنني لأوّل مرّة فعلًا أقف بنفسي على أوّل غضبة لي منك، لكن مايجرحني هو أن غضبتي لك لا عليك. جارحٌ بل مهين بحق أن أشعر للحظة أنك لا تفهم كيف مازلت أجرؤ على الاكتفاء بك أكثر. وجدتني فجأةً أضع يدي على قلبي خوفًا عليك لا منك وأقف خلف الباب مهزومة تمامًا. صرت أريد أن أصرخ في وجهك كما أجد نفسي أوشك أن أفعل أمام الكثير ممّن التفتّ عنهم وأخرجتهم من حياتي تمامًا. لكنني لم أكلّف نفسي يومًا عناء ذلك أبدًا. كنت دائمًا ألتزم الصمت وأمضي بك. لايهمّ إليك أو إلى أين المهم أنّك تبقى هنا دومًا.

أحترم قناعتك عن الحبّ نفسه منذ اللحظة الأولى في لقاءنا، كنت ومازلت سعيدةً بالمناسبة، حتى في كلّ المرات التي كنت أسألك عمّا يميزني عن غيري فيها كنت أحتفظ بسرّ سخيف لي وحدي، كنت دومًا سعيدةً بل فخورةً بأنني كما لو كنت طفلتك الوحيدة، المضغة التي ارتجفت بين يديك لأوّل مرّة، وعرفت كلّ معنى لأول مرة من كلّ حياة، كنت دائمًا ماأغيظ نفسي بأن كلّ شيء معك يبقى محتفظًا بنكهة المرّة الأولى ودهشتها من دون أن ينسينا لحظةً من ذاكرة دفء ظلّ يلفّنا عمرًا طويلًا.. وبقيت أمدّ يدي للسماء أشهرًا أتوسّل أن تفتح بابًا لمعجزة ما.

فقدت الرغبة بالحديث منذ وقت طويل بالمناسبة. لا أتحدث مع أحد إلا لممًا. لأنني لا أجد طعمًا للحديث. لكنني مازلت أنا حين أتحدث أو أناقش أو أترافع عن شيء. كل مافي الأمر أنه لايعنيني كثيرًا أن يكون لي نصيب من الحديث بعد ذلك اليوم. مرت أيام طويلة كنت أجلس فيها مزوية في المقعد الخلفيّ لأي سيارة أجرة أمام كورنيش الدمام .. لا أتمكن حتى اليوم من النظر لأكثر من خمس دقائق حتى أطلب من السائق أن يعيدني بسرعة من حيث أتيت. لا أشاهد شيئًا ولا أتابع خبرًا ولا ألتفت لكثير من أشياء اعتدت ممارستها وحدي. لم يكن جرحًا ولا وحشةً. كان كسرًا حقيقيًا أمام عقوبة صمت وجدتني أقضيها يومًا تلو آخر من دون أن أتمكن من إثارة شفقتك.

صدمتي الحقيقية حين وجدت نفسي بحاجة لأن أحدثك عنك، أو لأخبرك ماأعرفه لأبرر وجودي وكأنني بحاجة لأن أخبرك بأنني أدرك تمامًا أنك لم تبتعد لكنك امتنعت عن الحديث معي فقط. عشت أشهرًا طويلةً أتخبّط من فكرة لأخرى ومن ظنّ لآخر. من دون أن يهتزّ كبرياؤك وقدرك بداخلي بل كان يعلو، كنت أخفيه عنك غضبًا، وأحيانًا خوفًا وكثيرًا مايكون خجلًا لا أكثر. كنت صادقة حين أخبرتك أنني أقسمت أن لا أخبرك عن أي شيء عانيته وعاصرته طوال هذه المدّة لأنني أشعر دومًا أن من واجبي أن أحميك من الخوف قبل أي شيء آخر. لكنني وقفت أمام نفسي حقّا في لحظة صمت طويلة لأول مرة حين سألتني بكل بساطة (إلى متى ستبقين هكذا). لا أعلم بالضبط عدد الصفعات التي تلقيتها في حياتي لم أجد وقتًا حتى اليوم لأحصي جراحًا أو أتتبع خيبةً، لكنّ هذه كانت الأقوى فعلًا. عدت في لحظة للحظة التي وقفت فيها أمامك في جمعية الثقافة والفنون بعد أسبوعين من ذلك الاتصال. كدت أصرخ في وجهك لكنني امتثلت لسلطتك لا أكثر. كنت أرتوي من شيء يقفز من عينيك. بريق رأيته وحدي. وكأنني اكتفيت به ومضيت بصمت من دون أن أجرؤ على تجاوز كلمة امتثلت لها أمامك. أما عن ذلك الاتصال .. صدقني أنا نفسي لا أدري ما الذي منعني من أن أنطق الكلمة الوحيدة التي لمعت في رأسي طوال الوقت حدّ أنني لم أنتبه لما دار بالضبط. شيء ما بداخلي كان يدفعني لأن أقول لك بأنك كاذب لا أكثر. لكن دهشتي الحقيقية كانت أمام هيبتك التي لم تفقد يومًا أثرها عليّ.. شيء ما في صوتك ألجمني تمامًا حتى هذا اليوم. منذ تلك اللحظة وجدتني أبحث في كل لحظة معك عن كلّ جرم يمكن أن يكون سببًا.

أحيانًا كثيرةً أجدني أقف بصمت أمام السماء من دون أن أتكلم، قضيت وقتًا طويلًا أسأل الله إن كان صوتي يصل لك أم لا، ومرّت أوقات أطول وأنا أرجوه أن يجعلك تتصل بي فقط، كنت كلّ مرّة أزداد صمتًا فقط، وأعود لأعده بأنني سأحسن التصرف في الغد فقط أريده أن يعدني بأن تبقى بخير. وفي كلّ مرّة أعد نفسي بأنني لن أخبرك عن أي شيء مما مرّ بي، سأبتسم لك وأضحك كما كنا نفعل دومًا وكأن شيئًا لم يكن. وكأنّ زمنًا لم يمرّ ولا أي غربة عرفتنا أبدًا. في كلّ مرة أجد نفسي أشاركك الطريق فقط حتى تقرر أنت الكلام.. أربّت عليك خلسةً. وأبتسم لك سرًا. وأعدك بأن كل شيء سيكون على مايرام .. لا أعرف حقّا ماالذي كان يدفعك في كلّ مرّة لأن تعيد محاولة أشدّ عنفًا وصرامةً، وتعود مغتاظًا حين تجدني كما أنا. بل أشدّ ثباتًا.

أعرف عن الصّمت أكثر مما يمكن لك أن تتخيّل ياسيدي الكريم. عشته عمرًا وأعرف جرأتي على الالتزام فيه أعمارًا أخر. ذات مرّة حين كنّا في (د.كيف) أخبرتني أنني أملك نوعًا معينًا من التفكير والحساسية. شخصية تستطيع البقاء قوية لوقت غير مسمّى لكنها في لحظة واحدة ومن دون تفكير. تتخذ قرارًا حاسمًا في الخروج من الحياة تمامًا. حسنًا من يومها وأنا أريد فقط أن أخبرك أنني بطبيعتي إنسانة مرنة لا أكثر. أتفهم من يندفعون للانتحار يأسًا أو اكتفاءً. أحترم قرارهم أكثر مما أترافع عنه لسبب واحد فقط، قناعتي الشخصية بأننا نبقى بشرًا طوال الوقت، لاشيء، لا ظرف ثابت يحكمنا، لسنا منساقين بالتأكيد ولكننا لابدّ وأن نفقد السيطرة ذات يوم، كلّ مافي الأمر أن أحدًا منّا لم يعرف بعد ولم يصل لمرحلة اليقين التام من أن لا شيء يعني الاستمرارية هنا أكثر من ذلك. لذا لا أجد نفسي أجرؤ على أقضي بحكم أو أصف شخصًا قرر أو اضطر للرحيل بأي طريقة يسمونها انتحارًا بأي وصف أو حكم كان. لأنني لم أقف حيث وقف لأعرف أو أرى ما رآه بنفسه. النفس البشرية عالم رحب بالأكوان والأبعاد، شيء أعمق بكثير من أن نحصره في فكرة أو نسبر أغواره أو نرى مداه بالضبط، تبقى دومًا هناك نقطة أبعد. حتى أن ماركيز تحدّث بسخرية فجّة مرّة عن يأس أبعد وأسوأ بكثير لن يعرفه سوى رجل رمى بنفسه من سطح بناية يائسًا من كل شيء ولكنّه في طريق السقوط كان قد تذكّر أو وجد سببًا جديرًا بإبقائه لوقت آخر. لكنني في نفس الوقت هي الشخصية الانتحارية ذاتها. غير أنني لست من يفعلها، هذه هي بمنتهى الاختصار. أنا لا أنتحر .. لكنني فعلا أترك للموت أن ينهشني بحريّة ورضًى، تستطيع أن تعتبرها طريقةً خاصّة للاحتفاظ أو التعبير عن الحقّ الوحيد الذي يخصّني من شيء يشبه الرّد بالمثل. إن كنت قد رضيت تمامًا بقرار أحدهم فعليه أن يرضى ويقبل بالمثل بأيّ مما سيكون من دون أن يجرؤ على مطالبتي بأي شيء أو يراجعني في أي شأن كان. لذا لا أفترض ولا أتوقع ولا أفكر إن كان هناك من سيرضى أو يتقبل فكرة موتي أو يرفضها. لأنني سأفعل على كلّ حال هذا كلّ مافي الأمر.

أعرف تمامًا أنني لست مصدومة أبدًا، لكنني هذه المرة فعلًا وجدتني أجاهد لأعصر جرحًا غائرًا.. كما لو أن بنيانًا سقط على رأسي دفعةً واحدة، هذا كلّ مافي الأمر، أعرف أيضًا أنني لأوّل مرّة أتمسّك بعناد لم تجرّبه يومًا، وأقبض على صمت وعدتك مرّة أن لا ألتزمه أمامك حتى لاتخاف، لاأفكر في إخافتك بالتأكيد، أنا أنا.. لم أتغير مازلت أجد بنفسي نبضةً أخرى تزداد قوةً يومًا تلو آخر، لكنني شعرت بإهانة حقيقية حين وجدت نفسي بحاجة لأن أدافع عنك منك أنت. لم أجرّب الوقوف أمامك يومًا حتى وإن كنت أستطيع ذلك، لكنني أعرف لك هيبةً ومكانةً ربما يشبع غروري كل ماأجده يمتثلُ فيّ أمامها تلقائيًّا من دون أن أفكر في السبب، شيء ما لا أجرؤ على تجاوزه أو الجرأة عليه. ناهيك عن أشياء كثيرة أعرفها عني أنا، لذا لست بحاجة لأن أتصرف بطريقة لاتشبهني أمام نفسي أو أمامك لأي سبب كان، ربما كتبت لك ماكتبت كما لو كنت أريد لجزء من روح وأسباب تتنفّس ويعلو صوت موسيقاها بداخلي أن يبقى هنا ككلمة باقية. أو كهويّة لا أملك سواها، أعرف تمامًا أنك تعرف الكثير من هذا سلفًا، حتى وإن كنت قد مررت بالكثير من لحظات الدهشة حتى وصلت هنا، لكنني أردتك أن تفهم يومها فقط أن ماجرحني لم يكن تصرفًا بل سببًا دفعك لفعله. بدوت فعلًا كما لو كنت نسيت أو كنت تخاطب شخصًا آخر!، أعرف جيّدًا أنني ساذجة بشكل عام وسخيفة في أغلب لحظات جنوني، لكنني حزنت حين تساءلت بداخلي إن كنت قد نسيت فعلًا أنني لم أكلّف نفسي يومًا عناء الالتفات لمواء الجواري وصراع البائسات على بلاطك لأنني لم أنس يومًا شرف أن ألتزم الصّمت في حضرتك. بدوت كما لو أنّك لا تميّز ملامحي حدّ أن اضطررتَ لأن ترفع إصبعًا وتشير إلى قلبي كما لو كان ندبةً أو ذنبًا أو عمرًا تتساءل عن أجَله. وجدتني أعرف تلقائيًا كيف لمكلومة ليست مضطرّة لأن تبايعك مجددًا ولا أن تذكرك بأنك تبقى أنت الملك، أن ترمي يدها على صدرها وترتدّ واهنةً خلف الباب من دون أن تكون بحاجة لهزّة أخرى أو محاولة أشدّ صرامةً وغموضًا تتركها عند العتبة وتبقى واقفًا بشهامة وصدق، حريصًا ككلّ مرّة أن لا يمسّ بوجعها أحد.

لم أكن بحاجة أخرى بعد آخر ماكتبته لأن أتحدث لشخص يعرف كيف يحميني من دون أن يقطع ولو لمرّة صمتًا فرضه بعناد ثقيل.

أعرف فقط أن ذلك الخوف الذي انتفض بداخلي سيبقى مذهولًا يتساءل عمّن يعرفني حقّ المعرفة ويدرك وجودي، يحمل في يده عهدًا وولاءً وكلمةً لم تزلّ ولم تتراجع لمرّة.. إن كان بحاجة لأن يتأكد عن مدى معرفتي بالفرق بين السّم والترياق، وبين الموت والحياة، وبين الثابت والوهم، وبين الهدوء والصمت، وبين الشكّ واليقين، وبين الضّعف والقوّة، وبين الحقيقة التي لاتتبدّل ولا تغيب وأي خدعة متاحة، وبين اللاسبب وأي أسباب لا تغير من الواقع شيئًا سوى أنها تدفعه للصمت أو للبكاء أو الضحك من باب التسلية لا أكثر.

أحمل أسبابي الخاصّة وقناعتي وكلّ ماأحتفظ به لأن أكتفي من الوقوف في هذا المربع الرقمي. وأوصد على ذاكرة قلبي سلامًا وأمنًا من أي خوف، أو حاجة لجرعات متغيرة من الحديث، لديّ مايكفي من الحياة لأعيش به وله وعليه عمرًا يعرف أجله، ولديك ماحملته من أيام وأسباب لم تستطع يومًا أن تحول بينك وبين يقينك الذي تجده أشدّ وضوحًا في كلّ مرة تدرك فيها أن قلبك مازال على حقّ وأنني أبقى كما أنا.

ساءني من نفسي أنني نسيت أنك حين لم تكن بحاجة لقلبي نفسه تركته حيث أقف وبقيت تطوي الأيام على بعد خطوة لا أكثر غير أنّك أرخيت على اسمي صمتًا ثقيلًا. ربما هذا مايجعلك تبتسم أحيانًا حين تراني أقرأ اسمينا في عينيك وأشرد بعيني خوفًا من أن تلتمع اللهفة فيها فتتصرف كما لو كنت لا تقرأ إسمًا وحيدًا يوقد في عينيّ ضوءًا لاينطفئ، ولكنّه يرتبك في كلّ مرّة كما لو أنه يلتقط أنفاسه أمام ليل ليس كمثله ليل لا يسكن سوى عينيك.

أحاول أن أخدع نفسي بأنني لابدّ وأن أجد حاجة للحديث يومًا لكنني أعرف جيّدا أي صمت يكونه صمتي حين لا أتكلف عناء المحاولة. كلانا يعرف بأنني لم أكن بحاجة للمشورة يومًا بقدر ماكنت أعرف طريقي وأنا أذرع وحشة الكون وأكشّر في وجه خوفك وألوذ لشيء من السكينة والأمان وأنا أتخيلك تبتسم فقط في كل مرة طرقت الباب فيها هنا مهما طال انتظاري. كلانا يعرف أنني أحترم كلمتك قبل أيّ شيء، يؤلمني فقط كم بقيت أنتظر أيامًا وأشهرًا أن تمتدّ يدك بالسلام وكأنها نسيت أول السلام وأوّل العهد وأوّل يقين حين تركت فيها المفتاح الوحيد لبناية تحمل شقة وحيدة في الطابق العلويّ في أول مرة خرجنا فيها لقهوة وحديث طويل. كنت أبتسم يومها حين شعرت أنني آمنت على نفسي إلى الأبد من أيّ ضياع.

لم أكن بحاجة لأن أسامح أو أغفر شيئًا في أي مرة لأنني كنت أقبل كل شيء كما هو وأمتثل لكلّ ظرف من دون أن أراجعك، أو أحتاج سببًا أو رايةً لأقول بأنني أقف في صفّك. هذه المرّة أيضًا أنحاز لقدرك وأحتفظ بيدي على قلبي، أخاصم جرأتك وجفاء ردّك بهذا الصمت . من دون أن تكون مضطرًا لأن تمدّ إليّ نصيحةً أو تقرر ماإن كنت أريد أن أفهم أم لا.

تعرف جيّدا أنني سأبقى دومًا كما أنا، لست حتى بحاجة لأن أكتب دعاءً أو أقسم على معرفة بك تعيها جيدًا وتلمس قدرها عندي. أجدني بحاجة ماسة فعلًا لأن أدرأ عن نفسي عناء التبرير، والخوف من أن أن أُنعت بالرّياء، لم أتكلّف يومًا عناء الدفاىع عن قلبي لكنني هذه المرّة .. أمام يدك بحاجة حقيقيّة لأن أفعل. وحدك تدرك تمامًا أنها الوحيدة التي تعرف سرّ طفولتي وتشعل جنوني، وحدك تعرف أنها أول نقاط ضعفي وأنني لا أستطيع مع دفئها وقوتها وقوفًا ولا صبرًا. آسفة لأنني شعرت بالخوف من أن أقرأ ماكتبت فقط. لا أعرف أيّ كلمة تستطيع أن تتركها بهدوء وتبقى خائفًا من أن أسقط في نحيب طويل. أعرف حاجتي لأن أشكو لك من الدنيا بأسرها أو أن أتربع أمامك وأصغي بحبور لما لديك وكأن الدنيا لن تجرؤ على الاقتراب منّا طالما أنّك هنا، أعرف نظرتك التي تردّ على خوفي بسخرية تصيبه في مقتل، أعرف يدك نفسها التي كانت تشدّني وأنت تضحك من سخافاتي وثورتي، أعرفك أكثر مما أعرف نفسي وأعرف ماعرفته منك ومعك وعنك .. أعرف صوتك الذي يتخبّط بين ضلوعي حتى هذا اليوم وكأنّك تتحدّث إليّ من داخلي. أعرف ما لاأسمح للجدال فيه حدّ أن أشعر بالغضب والحزن كلما جرحتني محاولة لأن أشرحه أو أبرره.

كن بخير . طابت أوقاتك

About lalloshcoffee

، أنا الصّلة العميقة بين الظلام والصمت التي لم يفهمها أحد بعد، احتمالٌ يسع الجميع طبعًا ولن يجرح سوى نفسه.. نسيت أن أنسى، وأن أكبر متناقضة لدرجة أنني واضحة..! أحاول أن أكون نفسي .. ولا شيء أكثر .. نصيحة .. إذا أردت أن تكسبني .. لاتحاول أبدًا أن تفهمني و إياك أن تفسرني !

أضف تعليق