خلف الباب؛

🙂

ربّما لأنّني لم أعرف لي مأوى ولا أهل سواك أجدني أتصرّف كما لو كنتُ شخصًا آخر موكل بالتحدّث عنّي، بينما أحاول فعلًا أن أبتلع غصّة عالقةً في حلقي

يؤلمني صدقًا أن أجد نفسي مضطرّة لفعل ذلك وكأنّك لاتعرفني.. ربما لأنني أشعر بالفخر دومًا حين أخبرك عنك وكأنني أزهو أمامك بكَ، كأمّ يخفق قلبها طربًا أمام صورة تحمل أي لحظة زمنيّة كانت لطفلها، لايهمّها من سيراها يومًا.. أو من سيحدثه عن ملامحه فيها.. لكنّها بالتأكيد لن تفوّت على نفسها فرصة أن تضمّه في حجرها وتحدّثه عنه، تشيرُ لتفاصيل معيّنة، تثير دهشته، تلوّن حديثها بضجّة لطيفة من الذهول، تنقل أصابعها على الصورة بعشوائية وارتباك تحاول أن تواريه باتزان زائف .. وكأنّها تريده أن يفهم ببساطة بأنها ستبقى حائرةً دومًا ولاتعرف طريقةً حقيقيّة تُريه بنفسه كم يبدو جميلًا ببساطة .

كنت أعرف منذ اللحظة الأولى لي في هذه المدينة أنّني سأعيشُ هذه الأيام بلاشكّ، أجل تستطيع أن تعتبر صمتي ليس أكثر من نظرة واجمة، أو جمود بارد وبلا أيّ تعبير أمام لقطة أو لحظة متوقعة!

منذ أكثر من عامين وأنا أحاول بيأس أن أقي نفسي مغبّة السقوط في شرك أيام كهذه الأيام الأخيرة من أسبوع تقريبًا، تمامًا منذ أوّل حلم رأيته فيك.

حسنًا تحدثت كثيرًا عن هذا الأمر لكن يبدو حتى الآن أنني لاأملك دليلًا أو كلمةً أخرى سوى ماأراه فعلًا، ربّما ازدادت كثافة رؤاي منذ ذلك الاتصال فعلًا، لكنّني كنت دائمًا ماأدفع الجميع للحظة دهشة حقيقية، لابدّ وأن تتخذ نكهة ذهول عميق يبلغ مداه حدّ أن يكون خوفًا أو ريبةً واستغرابًا أو صمتًا ثقيلًا لطالما امتلأ بالتسبيح أو ترديد اسم الله لاأكثر. مشهد متكرر بمختلف الظروف يجعلني كثيرًا ما أشعر برغبة في الضّحك لاأكثر.

كان خطأي أنني لم أخبرك عمّا عليك أن تعرفه عنّي أنا، خفت دومًا من أن ألفت انتباهك أو أشرح الفكرة بوضوح خوفًا من أن تحسب أنني محض فتاة تريد أن تنتهز حقيقةً أو فرصةً متاحةً لتحجز لنفسها مقعدًا في أيّ صفّ كان من كلّ غد أنتظره معك، كان هذا أوّل الأسباب التي جعلتني أحمل حيرةً ووجعًا أكبر طيلة هذه الأشهر لأنني لاأستطيع أن أخبرك عمّا أراه، كيف لي أن أشرح لك الأمر، وأيّ سبب يمكنني أن أدعيه لأقصّ عليك رؤيةً أو منامًا ما، لكنّني حتى اليوم لاأعرف كيف أجد طريقةً أشكر الله فيها صدقًا.. إذ أنّ أوّل من حدثتك عن رؤيته فيك قبل هذا الاتصال وبعده كان سيّد الخلق وآله صلوات ربّي وسلامه عليهم.

بالمناسبة.. لم يكن الرسول فقط من رأيته فيك من آل البيت، كان أول من رأيته عينًا وبصورته وهيئته هي حفيدته زينب التي تسمّى بالعقيلة (ابنة السيّدة فاطمة) كان هذا في أوّل خصومة حقيقيّة وقعت بيننا حين كنت في الخبر، تخيّل! 🙂

هذا مايدهشني أنا نفسي حتى هذا اليوم ولاأعرف حقّا ماهو السبب الحقيقيّ أو الفكرة التي يجب أن أفهمها من رؤية آل البيت على وجه الخصوص وكثير من الأنبياء وسيرهم فيك أنت فقط، بينما بقيّة رؤاي تكون صادقةً وأراها وأعايشها بنفسي أيضًا في أي شيء آخر، لكن فيك أنت صدقني لاأعرف السبب، بالذات في كلّ شجار أو خصومة.

منذ أكثر من عام، كانت المرّة الأولى التي رأيت فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشخصه الكريم والسيّدة عائشة بجانبه ونحن أمام الحرم النبويّ. كانت ذلك حين تعاقدت مع المركز وبقيت أنتظر استكمال الأوراق الرسمية، وطال الأمر لدرجة أربكتنا وأوقعتني في رعب حقيقي من أن أجبر على العودة وأفقد نعمة وجودي معك فقط، شعرت بقهر حقيقيّ وغضبت بطيش اعتدته عليّ في شجار حقيقيّ وقع بيننا يومها، كنت غاضبةً من تراكم كل الأحداث معًا ولاأفهم كيف استطعت أن تقسو عليّ في الوقت الذي أحاول البحث فيه بيأس عن كل سبيل يبقيني معك، بكيت كثيرًا، ورأيته بعدما نمت .. كان يبتسم مستبشرًا، لاتعلم كم أدعو الله وأتمنّى لك من قلبي أن تراه، لالشيء سوى محض عاطفة حقيقية وسلام يبقى كما هو كلما تذكرت ملامحه وابتسامته، أودّ لو تراها حقّا لتفهم ماأشعر به بنفسك، شيء ما يرخي على قلبك سكينةً ورضىً لاتفهمه بل تعيشه لاأكثر. كانت تلك أول مرة فهمت فيها من كلامه الذي قاله ومن وجود السيّدة عائشة أنني سأعيش هذه الأيام بلاشكّ.

طيلة العام كنت أرى منامات أخرى أيضًا ولاأجرؤ على إخبارك بها،.

دعك من هذا ..

رؤية الرسول التي أخبرتك عنها بعد ذلك الاتصال كانت الثانية حتى الآن في حياتي، يومها أيضًا كانت السيدة عائشة تجلس معي مهمومةً بينما كان الرسول واقفًا يدافع عنّا.. أنت وأنا، هذه هي الحقيقة التي لم أخبرك بها بوضوح لأنني خفت وربما خجلت لاأكثر، حتى أنني لاأكتب لك هذا الكلام لسبب معيّن، أريدك أن تعرف وحسب، كنت أنادي عليك وأبكي يومها، وكنت تنظر إلي أيضًا وتبكي بصمت، تضع يدك على فمك قليلًا وكأنك لاتصدق ماحدث! كان سؤالي الوحيد يومها (الله يسامحك ياعبدالله ليش ماقلت لي كنت بساعدك) .. دعك مما قلته أنت لأنني أعرفك جيدًا وأعرف أسبابك وأتعامل معك بناءً عليها باختصار. ماأريد أن أخبرك به هو أنني يومها عرفت بأنّك تعاني من مشكلة ما كنت تحاول أن تجد لها حلّا، لكنّك أبقيت الأمر سرّا بينك وبين نفسك من دون أن تخبر أحدًا بذلك، كتمت وجعًا ثقيلًا واحتفظت به لنفسك.. هذا أكثر مايغضبني ويجرحني منك، تتصرف وكأنك لاتريد لأحد أن يعرف بأنك تحاول أن تحلّ أمرًا ما، وكأنه من العيب أن يعرف أحد عنك ذلك، أتفهم هذا بالطبع لكنني أغضب وأشعر بحزن حقيقي حين أجد نفسي أشارك الجميع هذه الحيرة وهذا الإقصاء، أودّ حينها لو أصرخ فيك لأخبرك أن لاشأن لي بأي أحد لأنني أولى بمشاركتك في هذا الأمر حتى وإن لم أكن أملك حلّا، أستطيع على الأقل أن أعدك بأن كل شيء سيكون على مايرام، أو أخصص دعائي كأضعف الإيمان لهذا الأمر، وأبحث عن كل سبيل يمكن أن يساعدك!

كنت أعرف أن المشكلة في أمر متعلق بأحد المجالين إما عملك أو تعليمك، لأسباب كثيرة ستكون سردية لو ذكرتها هنا لكنك تفهمها من أحداث الرؤية وتفسيرها.

عرفت أيضًا أن لوجود السيدة عائشة سبب أكبر وعلامة يجب أن أتقبّل أمر حدوثها، لاتعكس السيدة عائشة في المنامات رسالة أو فكرة عن أن عليك أن تصبر فقط، ولاعن حبّها لحبيبها المصطفى، وحدتها معي أفهمتني بأنني سأعيش أيامًا طويلةً من الحزن والعتمة وحدي، مدانة أو متهمة بكلام وأقاويل ملفّقة، وقصصا لم تحدث لاأعرف مصدرها ولكنني سأجد نفسي مجروحة بعد صمت ثقيل حدّ أن أضطر لأن أخلو بنفسي في وحدة تامّة.

لاأعرف مدى معرفتك بحادثة الإفك، لكنني أستطيع أن أؤكد لك ماشعرت به عائشة تماما مذ أحسن بتغيّر الرسول تجاهها قبل أن يواجهها أو يخبرها بأي كلام سمعه، تجد نفسك تبتسم معها بحسرة حين تقرأ ماقالته عن نفسها، كيف عاشت شهرًا كاملًا لايقف لها دمع ولاتعرف ماالذي غيّره تجاهها، لم يبتعد أبدًا، لم يهجرها، غير أنه كان فيما قبل معتادًا أن يسألها بشوق حين يدخل عليها (كيف حال عويش).. فجأة صار يسألها بشكل عاديّ تماما (كيف تيكُم)؟

كانت حيرة الرسول نفسه وموقفه طبيعيّا، لأن الله وضعه في اختبار حقيقي أمام نفسه كإنسان بكلّ بساطة، كان من الممكن بكلّ بساطة أن يتنزّل وحي قبل الحادثة، أو يومها أو بعد ماوصله من أقاويل .. ليعرف أن الحقيقة مجرّد افتراء لاأكثر، لكن كان عليه أن يقضي صبرًا ووقتًا مع نفسه كإنسان عاديّ في موقف كهذا، حتى وجد نفسه بعد صمت وانتظار لوحي يريحه أو يدلّه.. يستشير عليّ رضي الله عنه، وكان هو من أشار عليه بأن يخبر عائشة بأمر ماسمعه..

أستطيع مجددًا أن أخبرك بثقة عن جانب واحد لايمكن أن أشكّ فيه أو أهمله من السبب الذي دفعها تشعر بجرح حقيقيّ حين حدثها في الأمر.. مع أنه تكلم معها بشكل عادي وبمنتهى الصدق ومن دون أي إدانة أو شكّ أو اتهام، محض سرد ونصيحة لاأكثر. وكان هذا هو ماجرحها.. أنه وقف أمامها كنبيّ يهدي وينصح ويتساءل.. نبيّ كريم وصادق فعلًا لكن ليس محمّدًا الذي بكت عليه طيلة تلك الأيام

كان ردّها الوحيد أنها استأذنت منه أن ترجع إلى بيت أهلها حتى يحكم له الله في أمرها ويثبت براءتها فقط.

حسنًا دعنا من قدسية الشخصيات نفسها، لكنّك تلمس الطبيعة البشرية وشعور الإنسان الغالب على كل فرد فيهم وأنت تقرأ الحدث، لم تكن عائشة تحاول أن تدافع عن نفسها ولم تفكر في ذلك، لكنها أجابت بحيادية وأمانة تامّة،

حين رجعت لبيت أهلها، تصرّف الرسول كزوج شهم وأمين في المقام الأول، وصديق يحترم الصديق وابنته وبيته، لذا جلس أمام الصّديق وزوجته وعائشة وكرّر عليها ماقاله بالنّص ومانصحه ذاته عن التوبة من الذنب وأثرها. كانت بحاجة لأن تشعر بأنها ابنة عادية لأهل يعرفونها تمام المعرفة حدّ أن يملكوا جوابًا أو ردًا ثابتًا على ماسمعه الرسول. وجدت نفسها تلتفت لكل واحد من أبويها وتسأله عما سيردّ به على كلام الرسول. كان الجواب صمتًا بالطبع امتثالًا واحترامًا وحيرةً بالتأكيد أمام ثقل الفكرة نفسها وهيبة الرسول وكلامه ومصداقيته وحضوره. لم تكن بحاجة لأن تخبرهم بأنها تفهم صمتهم وأسبابه تمامًا، ربّما أرادت أن ينتبه أحد فقط لمحض ابنة عادية تجلس أمام هيئة تحقيق بطريقة أو بأخرى، ترى الصورة كاملة من كلّ الزوايا ولكنّها تحاول أن تقول فقط بأنّها الآن في لحظة لاتهتم ولاوقت لديها لأي أسباب بل لكلمة حقّ لو نظر كلّ واحد منهم في داخله أو نظر إليها جيّدًا لوجدها بوضوح تام.

لذا كان ردها ببساطة أنها في كلا الحالتين سواء اعترفت بشيء لم تفعله وأعلنت توبتها، أم أنكرت أي صلة بما قيل تمامًا فلن يصدقوها على أيّ حال وإلا لما سألوها منذ البداية!

وقتها أسلمت نفسها للمرض فعلًا، وانصرفت في وحدتها، حتى نزلت آية البراءة على الرسول وهرع ليبشّرهم،

أضحك لها من كل قلبي وكأنني أربت على كتفها حين أقف على اللحظة التي تسألها أمها فرحةً بنبأ البراءة ووجود الرسول عندهم مجددًا (ألاتشكريه؟) قالت ببساطة لا بل تحمد الله فقط أن برأها مع أنها لم تتخيل يومًا أنها ذات شأن يمكن أن يبلغ حدّ أن ينزل الله آية كاملة تبقى قرآنا يتلى تبرئها وتشهد لها حتى يوم البعث. أما الرسول فلن تضلّ عن حنان الرجل في ابتسامته التي قابلها بها، رجل يعرفها ويبتسم بتفهم لاأكثر، يدرك ألمها ويعيه من دون أن يفكر إن كانت تتفهّم موقفه أم لا لأنه يعرف أي حبّ جمعه بها وأي مسؤولية قاسمته إياها وأيّ سرّ ونبوّة حفظتها معه ومنه. وأي يقين تعلمته وعاشته واختبأت في دفئه معه.. ابتسامة دافئة فقط قابلها بها كانت تكفي لأن تخبرها أنه يفهم تمامًا ويدرك تمامًا ويعرف أنّها لابدّ وأنها تفهّمت موقفه ودوافعه وأسبابه أيضًا، ولكنّ محبّا وعاشقًا لم يتراجع في قلبه للحظة كان يودّ فقط لو يمكنها أن تكون هيَ الآن فقط بكلّ بساطة أو لو تستطيع أن تكون أقلّ تصلّبًا. وحدها تنظر بصمت وكأنها الوحيدة التي تعي جيدًا أن المسألة لاتتعلّق أبدًا بقدرتها على العناد أم لا.. بل بحقيقة أنّ هناك قلبًا يرتجف ولعًا وحبّا ولكنّها وحدها التي تعرف أنّه لايقوى على عنادها ولايجد مع صمتها حيلة ولايستطيع أمام حزنها صمتًا ولاصبرًا.

ربما لايتجاوز الكلام فكرة كونه محض سرد لديك.. عنّي أحاول فقط أن أسألك وشيء مابداخلي يرجو أن تجيب، أن تفعلها ولو لمرّة وتخبرني إن كنت بخير هذه الأيام حقّا أم لا، وإن كان يمكنك ولو لمرّة أن تجيب بحيادية مباشرة تمامًا عن أي شيء تحتاجه أو يمكن أن يُسدى إليك أو يمكنني أن أفعله أو أقدمه من دون أن تفكّر في شيء أو تتردد أمام شيء أو تخاف من شيء أو تلتزم الصمت ككلّ مرّة ..

كلانا يعرف أنه لايمكن أن يكون صمتك لسبب أنك لم تجد ردّا في كلّ مرّة أو أنك ازددت حيرة أو خوفًا.. كلانا يعرف أنك كنت ومازلت تستطيع أن تكسر حاجز الصمت وتحسم تساؤلاتك في لحظة..

أسألك إن كنت بخير أو بحاجة لأيّ شيء ليس بسبب الصمت الثقيل هذا بل لأسباب كثيرة تخصّني.. منها أيضًا حلم رأيته وحدثتك عنه عن تلك الفتاة من الاستقبال:)

منذ ذلك اليوم وأنا أحاول أن أعرف أيّ حقّ يمكن أن يكون لك عندها؟ أو عند أي أحد غيرها.. منذ ذلك اليوم وأنا أزداد خوفًا ورجاءً أن لاأعرف من أحد سواء إن كان ثمّة أي شيء يمكن أن يكون أحزنك لاسمح الله. أو جعلك تشعر بالذنب للحظة. لهذا كنت أحاول طوال الوقت أن أثبت لك أنّك بريء من أي ذنب تجاهي.. ليس لأن الحبّ نفسه لايعدّ وزرًا ولاحملًا أبدًا بل سببًا أدعى للبقاء والثبات واليقين والقوّة أكثر في كلّ مرّة فقط، بل لأنني لاأحتمل فكرة أنّك تدين نفسك وتحمّل نفسك وزرًا وذنبًا ومسؤولية تجاه شيء لم يعد على غيرك بأي مضرّة بل بنفع وحياة واكتفاء لايمكنك أن تتخيله.

تعرفني جيّدا.. هذه المرة لاأعد ولاأطلب أن تضع في حسبانك أو تبقي على أي فكرة في رأسك. أريدك أن تعرف أن ماأحاول أن أقوله بهدوء.. أنني هنا باختصار.. في أي وقت ناديتني ستجد عند الباب قلبًا يتيمًا يرتجف منذ وقت طويل، يبكي وحيدًا وينتظر أن تحمله بين يديك ليغفو في سلام لأول مرة منذ زمن بعيد. أما أنا فتعرف جيّدا أنك أينما استدرت أو التفت أو ناديت ستجدني أقف أينما قلّبت طرفك، عليك فقط أن تنظر بداخلك ولو للحظة إن كنت تفكر أن تفتّش عني.

لايؤلمني أي غضب ولاحزن ولاوهن أبدًا .. أحاول فقط أن أجد طريقة فعلًا لأفهم وأستوعب ولو بشيء من الوضوح فكرة أن كلّ هذه الأشهر مرّت بكلّ هذا الصمت!

أحاول فعلًا أن أفهم لا أن أصدّق أنّك استطعت أن تصمت، أنك تمكنت من العناد والتمسك برأيك حتى تقرر أو لاتقرر عكس ذلك طوال هذا الوقت!

أحاول فعلًا أن أسامحك وأنا أنظر لكلّ هذا الصّمت، وأقف عند مرات كثيرة لاتحصى كنت تزيح فيها غطاء هذا المربع الرقمي.. تنظر طويلًا حتى آخر كلمة من دون أن تترك ردّا أو جوابًا..

أراك أمامي بوضوح، أجدك معي دومًا بل أحفظك سرّا بداخلي، غير أنني صرت أنظر إليك وأنا أرى كلّ ذلك الصمت.. أحاول أن أسامحك وأتمنّى ذلك فعلًا أجدني أبكي بحرقة لساعات طويلة أدعو لك كثيرًا وأتوسّل إلى الله أن يسامحك ويحنو عليك ويحفظك، أرجوه بصدق.. أحاول أن أخبرك أنني أودّ أن أسامحك ولكنني هذه المرّة لاأعرف كيف لي أن أفعل.

وجدتني أدعوه باستسلام أن يسامحك نيابةً عنّي أيضًا من دون أن أجد نفسي مضطرة لقول ذلك. أخاف عليك من أي عذاب أو خوف أو صمت وأحاول فقط أن أفهم كيف كان لي أبقى فيه كل هذا الوقت أمامك هكذا بمنتهى البساطة؟

أعرف أنني أسامحك في داخلي ولكنني أدعي عكس ذلك.. ربما لهذا السبب أردت أن أبكي وحدي هذه المرّة، أريد أن أبكي كلّ شيء، كل الكلام الذي انتظرته وتمنيت وأتمنى أن تقوله، كل اللحظات التي انتظرت وأنتظر أن تضمّني فيها بقوّة وكأنك تسخر من سخافتي وخوفي من لحظة غضب، كل اللحظات التي انتظرت وأنتظر أن تحميني فيها من كل خوف وتدفعني لأن أشكو لك كل شيء.. كل شيء بينما تمسّد شعري وتبتسم بحنان، كل الأيام التي حرمت من أيّ لحظة منها معك..

وكل لحظة من يوم مولدك.. أجل، هذا اليوم سيبقى غصّةً في حلقي لن أتمكٌن من ابتلاعها، لن أعي للحظة فكرة أنني لم أقاسمك أيّ لحظة منه معك..

أذكر أحداثه في العام الماضي، وكلّ مافعلته من وقتها وحتى عاد في هذا العام لأعيش ولو لحظةً منه معك..

أحاول أن أتجاوز أو أتقبّل الفكرة صدقًا لكنني أنتحب بقوّة كلما تذكرت جلوسك وحيدًا في الرياض ووجعي هنا، كيف استطعت أن تكمل يومًا كاملًا كهذا حتى انتهى فعلًا!؟

تطول الأيام يومًا تلو آخر وتزداد ملامحك بداخلي وضوحًا وليس العكس أبدًا.. يرهقني يومًا تلو آخر أن الأيام ماتزال تمضي وأنت في هذا البعد عنيد متمسّك بمحض فكرة اتخذتها بمفردك، يقتلني يأسي وضعفي وصمتي.. ولاأفعل شيئًا سوى أنني أعود للبكاء كحلّ وحيد. كما لو أنني أريد أن أبكي وألفظ كلّ هذا الصمت من داخلي، لأبكي بجواره حتى أنتهي إلى أبد لايردّ . أتخيل الفكرة للحظة فأنتفض هلعًا من أن يمسّك أي خوف ولاأكون هنا لأضمك بقوة وأعدك بأن كلّ شيء على مايرام، وأن كلّ ماكان ليس سوى كابوس ومحض هراء.. وانقضى

أجدني أقضي بكاءً طويلًا لم يحملني لأي شيء أبعد من الصمت.

About lalloshcoffee

، أنا الصّلة العميقة بين الظلام والصمت التي لم يفهمها أحد بعد، احتمالٌ يسع الجميع طبعًا ولن يجرح سوى نفسه.. نسيت أن أنسى، وأن أكبر متناقضة لدرجة أنني واضحة..! أحاول أن أكون نفسي .. ولا شيء أكثر .. نصيحة .. إذا أردت أن تكسبني .. لاتحاول أبدًا أن تفهمني و إياك أن تفسرني !

أضف تعليق